أخبار

جاستن ترودو.. هذا هو إرثه وأبرز المحطات في مسيرته السياسية

في خطوة سياسية مفاجئة، أعلن رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، عن استقالته، لافتا إلى أنه سيستمر في منصبه كزعيم للحزب الليبرالي ورئيس للوزراء حتى اختيار قائد جديد للحزب.

وجاء هذا القرار بعد أكثر من تسع سنوات قضاها في المنصب الأعلى في البلاد، وما يقرب من 12 عاما على رأس حزبه.

كما أعلن ترودو استقالته من مقر إقامته في Rideau Cottage في 6 يناير، مؤكدا أن كل لحظة قضاها كرئيس للوزراء استلهمها من الكنديين الذين “يستحقون خيارا حقيقيا”، موضحا أنه أدرك أنه “لا يستطيع أن يكون الشخص الذي يحمل راية الليبراليين في الانتخابات القادمة”.

وتأتي هذه الخطوة بعد دورة برلمانية خريفية مضطربة، مما يمهد الطريق لإنهاء فترة ترودو السياسية التاريخية التي تميزت بتغيرات اجتماعية وسياسية كبيرة، إلى جانب جدالات ودعم شعبي متقلب.

ومع استعداد البلاد لدخول حقبة سياسية جديدة، نستعرض أبرز المحطات في مسيرة جاستن ترودو السياسية:

2008-2013: من نائب في البرلمان إلى زعيم حزب

في شبابه، قال ترودو لـ CTV News إنه “لن يصبح سياسيا أبدا”، خاصة بعدما شهد على التحديات التي واجهها والده، بيير إليوت ترودو، أثناء توليه رئاسة الوزراء، لكن التكهنات حول مستقبله السياسي بدأت عندما ألقى كلمة التأبين في جنازة والده.

وفي عام 2007، انتقل ترودو من دعم الحملات الليبرالية إلى الفوز بالترشيح لدائرة Papineau في كيبيك.

وفي عام 2008، فاز بالمقعد ودخل مجلس العموم متحديا التوقعات، في إشارة مبكرة إلى قدرته على مفاجأة المحللين.

وسرعان ما صعد من عضو برلماني إلى زعيم الحزب، ففي أبريل 2013، وهو في سن الـ 41، حصل على قيادة الحزب بأغلبية تقارب 80% من الأصوات، ووعد “ببذل العمل الشاق المطلوب”.

ومنذ ذلك الحين، عمل على إعادة بناء صورة الحزب الليبرالي، مع تصاعد شعبيته في استطلاعات الرأي.

2014-2015: من الحزب الثالث إلى رئاسة الوزراء

بدأ ترودو حملته لتعزيز مكانة الليبراليين كبديل لحكومة رئيس الوزراء آنذاك ستيفن هاربر عبر تحركات مفاجئة.

وأعلن ترودو فجأة في فبراير 2014 أنه طرد جميع أعضاء مجلس الشيوخ الليبراليين من كتلة الحزب في محاولة لجعل الغرفة العليا أقل حزبية.

وخلال الانتخابات الفيدرالية لعام 2015، تعرض ترودو لانتقادات من منافسيه، الذين وصفوه بأنه “غير جاهز”.

ولكن بعد أطول حملة فيدرالية في التاريخ الحديث، تمكن الحزب الليبرالي بقيادته من تحقيق فوز ساحق بـ 184 مقعدا من أصل 338.

وحمل ترودو رسالة التغيير الإيجابي والسياسات المشرقة التي أطلق عليها “الطرق المشمسة”، وشكل حكومة أغلبية عملت على تنفيذ التزاماتها.

2015-2019: من الأغلبية إلى الأقلية

في خطوة رسخت مكانته بالفعل في كتب التاريخ الكندية، كان أول عمل لترودو كرئيس للوزراء هو تعيين حكومة متوازنة بين الجنسين، حيث قال في حفل أداء القسم: “لأننا في عام 2015!”.

وشملت فترة ولايته الأولى العديد من السياسات البارزة، منها إعادة تفعيل التعداد السكاني، وإطلاق إعانة الطفل الكندية التي رفعت مئات الآلاف من الأطفال من الفقر، والتوقيع على اتفاقية باريس للمناخ، واستقبال عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين.

كما ركزت الحكومة على المصالحة مع السكان الأصليين عبر معالجة أزمة المياه في المجتمعات النائية ومواجهة قضية النساء والفتيات المفقودات والمقتولات من السكان الأصليين.

لكن الحكومة الأغلبية تراجعت عن وعود انتخابية، منها إصلاح نظام التصويت، وفشلت في تحقيق التوازن المالي، وأثارت غضب الناشطين البيئيين بعد إنفاق مليارات الدولارات لشراء خط أنابيب Trans Mountain عبر المقاطعات.

وتعرض ترودو لمواقف محرجة، مثل رحلته المثيرة للجدل إلى الهند وخرق قواعد الهدايا الفيدرالية المتعلقة برحلة عيد الميلاد إلى جزيرة أغا خان الخاصة.

وخلال ولاية ترودو، أدت رئاسة دونالد ترامب إلى تحديات جديدة، أبرزها مفاوضات إعادة صياغة اتفاقية التجارة الحرة وأدت في نهاية المطاف إلى إبرام صفقة جديدة في عام 2018 “اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا أو USMCA” والتي احتفلت بها البلدان الثلاثة باعتبارها فوزا، ومن المقرر أن تعود للمراجعة في عام 2026.

كما شهدت تلك الفترة تقنين الماريجوانا في كندا وتصاعد التوترات مع الصين بسبب اعتقال مايكل كوفريغ ومايكل سبافور.

ومع اقتراب الانتخابات في 2019، كانت قضية تدخل سياسي في فضيحة SNC-Lavalin من بين أبرز الأزمات التي واجهها ترودو، ما أدى إلى استقالة وزراء بارزين ومستشاره المقرب جيرالد باتس.

وفي تلك الفضيحة، زُعم أن أعضاء طاقم رئيس الوزراء مارسوا ضغوطا على النائب العام ووزير العدل آنذاك جودي ويلسون رايبولد لطلب من المدعين الفيدراليين إبرام صفقة في قضية الفساد والاحتيال ضد الشركة التي تتخذ من كيبيك مقرا لها.

ورغم هذه التحديات، فاز الليبراليون بفترة ثانية ولكن كحكومة أقلية، مما أجبر ترودو على التعاون مع الأحزاب الأخرى.

2020-2022: الحكم أثناء جائحة عالمية

بدأ عام 2020 بمأساة سقوط الطائرة PS752 التي أسقطتها إيران، والذي أسفر عن مقتل 176 شخصا، بينهم 55 مواطنا كنديا و30 مقيما دائما.

وبينما كان ترودو يواجه تحديات توحيد البلاد المنقسمة، جاءت جائحة عالمية لتكشف عن انقسامات أعمق، ومع وعد ترودو بتوحيد الكنديين، بدأت في مارس 2020 فترة عزل شديدة لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وأصيب ترودو وعائلته بالفيروس، ما دفعه إلى إجراء مؤتمرات صحفية يومية من مقر إقامته في “Rideau Cottage”.

وأثناء الأشهر التالية، أعلن إغلاق الحدود، وإطلاق برنامج المساعدات الطارئة الكندية “CERB”، وبرنامج دعم الأجور للشركات، ووقع عقودا لشراء لقاحات كوفيد-19.

لكن في منتصف عام 2020، برزت فضيحة جديدة عُرفت باسم “فضيحة منظمة WE الخيرية“، حيث تعاقدت الحكومة الليبرالية مع المنظمة لإدارة منحة بقيمة مليار دولار تقريبا لطلاب الجامعات خلال الجائحة، وظهرت اتهامات بتضارب المصالح بسبب علاقة عائلة ترودو وبعض كبار مساعديه بالمنظمة.

وعلى الرغم من أن التحقيقات برأت ترودو من أي تهم مباشرة، فإن الفضيحة أثرت على صورته.

كما شهدت هذه الفترة أيضا تحولات اجتماعية عميقة، من اكتشاف قبور غير محددة في مواقع المدارس الداخلية السابقة للسكان الأصليين، إلى احتجاجات ضد العنصرية وعنف الشرطة، ورغم تعاطف ترودو مع هذه القضايا، واجه انتقادات بأن استجاباته كانت رمزية وغير مؤثرة.

وفي أغسطس 2021، دعا ترودو إلى انتخابات مبكرة، مبررا ذلك بضرورة معرفة مدى دعم الكنديين لقيادة البلاد خلال هذه المرحلة الحاسمة من الجائحة.

لكن الحملة الانتخابية الصيفية كانت غير تقليدية بسبب القيود الصحية وموجة كوفيد-19 الرابعة، وكانت أزمة أفغانستان في صدارة العناوين، حيث سيطر طالبان على السلطة مرة أخرى، وحتى مع الالتزام باستقبال 40,000 لاجئ أفغاني، تعرضت الحكومة لانتقادات بسبب استجابتها البطيئة.

وفي سبتمبر 2021، قرر الناخبون إعادة ترودو إلى البرلمان بحكومة أقلية مرة أخرى.

وفي شتاء 2022، انطلقت مظاهرات “قافلة الحرية” في البلاد، واحتج المتظاهرون على سياسات الحكومة المتعلقة بوباء كوفيد-19.

ووصف ترودو الاحتجاجات بأنها “أقلية هامشية صغيرة”، لكن الأزمة تصاعدت إلى إغلاق الحدود مع الولايات المتحدة في نقاط رئيسية.

وفي خطوة تاريخية، لجأ ترودو إلى قانون الطوارئ لفض الاحتجاجات، وهو قرار دافع عنه لاحقا في تحقيق علني.

وبعد أسبوع واحد من إنهاء أزمة القافلة، غزت روسيا أوكرانيا، وأعلن ترودو دعمه القوي لأوكرانيا، وخصصت كندا مليارات الدولارات كمساعدات على مدى السنوات التالية.

وفي عام 2022، وقع ترودو اتفاقية دعم وثقة مع زعيم الحزب الديمقراطي الجديد، جاغميت سينغ، ما منح حكومته الأقلية استقرارا سياسيا، مقابل تنفيذ سياسات تقدمية مثل برامج رعاية الأسنان والأدوية.

2023-2024: زعيم محاصر يقاتل ثم يستسلم

تركزت السنوات الأخيرة لترودو على معالجة مخاوف الكنديين بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة بعد وباء كورونا، وعملت حكومته على تقديم برامج مساعدة مثل خصومات على مشتريات البقالة، لكنها واجهت انتقادات حادة من المعارضة، خاصة زعيم حزب المحافظين بيير بوليفر، الذي استغل هذه الأزمات لزيادة شعبيته.

كما طُرحت قضايا التدخل الأجنبي في الانتخابات الكندية، خاصة من الصين والهند، وتعرض ترودو لانتقادات لعدم تعامله بجدية مع هذه التهديدات حتى أعلن عن تحقيق عام في تلك القضايا.

وفي صيف 2024، تعرض الحزب الليبرالي لصدمة بخسارة مقعد قوي في تورنتو لصالح المحافظين، الأمر الذي دفع أعضاء الحزب للتحدث علنا عن ضرورة تنحي ترودو وإفساح المجال لقائد جديد.

الأشهر الأخيرة لترودو كزعيم

مع انتهاء الصيف وبداية الخريف، بدأت قبضة جاستن ترودو على القيادة تتراجع بشكل أكبر، قبل عودة مجلس العموم للانعقاد في دورة الخريف، حتى أن زعيم الحزب الديمقراطي الجديد، جاغميت سينغ، قال إنه “مزق” الاتفاق بين الحزبين الليبرالي والديمقراطي الجديد الذي دعم بقاء حكومة ترودو في السلطة لأكثر من عامين ونصف.

وبدون هذا الاتفاق، عاد النواب إلى مجلس العموم تحت ديناميكيات الأقلية التقليدية، مما أدى إلى تصاعد التوترات ومحاولتين فاشلتين متتاليتين تقريبا من قبل حزب المحافظين لإسقاط الحكومة عبر اقتراحات بحجب الثقة.

ومع استمرار جلسة الخريف غير المستقرة، واجه ترودو تمردا داخليا في الحزب الليبرالي، وطالبه عشرات الأعضاء بالتنحي، وتعهد ترودو بإعادة التركيز على القيادة.

من جهة أخرى، جاء فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليضيف ضغطا جديدا، وحاول ترودو إعادة بناء جبهة موحدة تُعرف بـ”فريق كندا”، لكنه قوبل بتشكيك من خصومه السياسيين ومراقبي العلاقات الكندية الأمريكية حول قدرته على التعامل مع ولاية ثانية لترامب.

وفي محاولة لتغيير المشهد السياسي داخليا، أعلن ترودو في نوفمبر عن إعفاء ضريبي مؤقت على السلع الأساسية إلى جانب شيكات مالية لمرة واحدة بقيمة 250 دولارا، لكن هذه الحزمة واجهت معارضة شديدة في البرلمان، ما أجبر الحكومة على تعليق تقديم الشيكات المتوقعة.

وفي ديسمبر، تصاعدت التوترات السياسية إلى ذروتها عندما أعلنت وزيرة المالية كريستيا فريلاند استقالتها المفاجئة من الحكومة، وفي رسالة نُشرت علنا، انتقدت فريلاند ما وصفته بـ”الألاعيب السياسية المكلفة” في وقت يعاني فيه الاقتصاد من عدم استقرار كبير.

ومع اقتراب نهاية العام، تزايدت الدعوات داخل الحزب الليبرالي لإجراء تغيير في القيادة، ووفي محاولة لاستعادة الاستقرار الحكومي، أجرى ترودو تعديلا وزاريا في 20 ديسمبر، شمل تعيين ثمانية أعضاء جدد من الحزب الليبرالي في الحكومة وإعادة تكليف أربعة وزراء بمهام جديدة.

لكن قبل بدء مراسم التعديل الوزاري، واجه ترودو ضربة قاسية، إذ أعلن سينغ أن حزبه الديمقراطي الجديد مستعد للتصويت بحجب الثقة عن الحكومة.

واستغل بوليفر، هذه التطورات وكتب رسالة إلى الحاكمة العامة ماري سيمون، داعيا إياها للتشاور مع ترودو حول استدعاء البرلمان من عطلته لإجراء تصويت ثقة، لكن هذه الخطوة قوبلت بالرفض من قبل الخبراء الإجرائيين.

وخلال عطلة الأعياد، غابت تصريحات ترودو باستثناء تعليق عابر حول مواصلة العمل على تحسين العلاقات الكندية الأمريكية، وأثار صمته تكهنات واسعة حول مستقبله السياسي.

وفي الثالث من يناير، انتشرت أنباء تفيد بأن رئيسة الكتلة الوطنية، بريندا شانهان، دعت إلى اجتماع طارئ للكتلة الوطنية لمناقشة زعامة ترودو، ومن المقرر عقد هذا الاجتماع يوم الأربعاء المقبل.

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!