الكنديون السوريون يعودون إلى وطنهم بعد سقوط الأسد

قبل أسبوع من سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر، عثر عمرو نيال الذي يعيش في ميسيساجا بأونتاريو، على جواز سفره السوري القديم ورخصة القيادة وبطاقة الهوية بين كومة من الوثائق، وكان ذلك بمثابة تذكير مؤلم بالحياة التي تركها وراءه.
وقال نيال: “أتذكر أنني كنت أنظر إليها بحزن وأسى وأتساءل، هل يجب أن أحتفظ بها أم أن اليوم الذي سأتمكن فيه من استخدامها والعودة إلى بلدي الأصلي لن يأتي أبدا، ولكن تركتها في النهاية بدافع الحنين إلى الماضي أكثر من اعتقادي بأنني سأستخدمها بالفعل ذات يوم”.
والآن، بعد 16 عاما من مغادرته سوريا في عام 2009، يستعد لرحلة كان يعتقد ذات يوم أنها مستحيلة ــ زيارة وطنه هذا الشهر.
ويعلم نيال أن التجربة ستكون عاطفية عندما يمشي في شوارع حلب مرة أخرى، المدينة التي نشأ فيها، وقال: “سأذرف الدموع بالتأكيد”.
وكانت تكلفة دعم الثورة السورية باهظة بالنسبة لنيال، فقد توقف عن دراسة الاقتصاد المالي بين عامي 2012 و2015 ليكرس نفسه للنشاط والعمل الإنساني، وقاد جهودا كبيرة لجمع التبرعات مع المجتمع السوري في أونتاريو لدعم أولئك الذين يعانون تحت نظام الأسد.
وقد تم تسريب نشاطه إلى النظام السوري، مما عرض عائلته – التي كانت تقوم بأعمال إنسانية أخرى في البلاد – للخطر.
نيال هو واحد من العديد من الكنديين السوريين الذين قرروا السفر إلى سوريا لأول مرة بعد حرمانهم من الفرصة لسنوات تحت نظام الأسد.
“الكثير من عدم اليقين”
تواصل كندا تقديم النصح بعدم السفر إلى سوريا وتحث الكنديين الموجودين بالفعل في البلاد على التفكير في المغادرة إذا كان ذلك آمنا.
ووفقا لوزارة الشؤون العالمية الكندية، فإن 1467 كنديا مسجلون حاليا في نظام تسجيل الكنديين في الخارج على أنهم موجودون في سوريا.
وهذا ليس دقيقا لأن التسجيل طوعي، وقد يشمل العدد الحقيقي الأفراد الذين غادروا بالفعل ولكنهم لم يقوموا بتحديث ملفاتهم الشخصية.
وقالت بيان الخطيب، المؤسس المشارك للمؤسسة السورية الكندية، إن الكثيرين حريصون على دعم إعادة بناء سوريا، مضيفة أن المؤسسة تعمل جنبا إلى جنب مع الحكومة الكندية لاستكشاف جهود إعادة الإعمار.
وهي تأمل أن تُرفع العقوبات العديدة التي فرضتها دول أخرى على البلاد، “حتى يمكن إعادة بناء سوريا”.
وبينما وصفت البلاد بأنها أكثر أمانا لأولئك الذين يعارضون نظام الأسد، حذرت من أنها بعيدة كل البعد عن الاستقرار.
التفاؤل والأمل
محمد ضياء عموري، فلسطيني سوري، فر من سوريا إلى لبنان، ثم انتقل إلى كندا في عام 2017، ولكنه كان في دمشق منذ أواخر العام الماضي، وشهد سقوط نظام الأسد بنفسه.
وقال “في صباح الثامن من ديسمبر، كانت رائحة الهواء مختلفة، وكان الصباح مختلفا، وكان الناس قبل الثامن من ديسمبر يمشون في الشارع ويتحدثون إلى أنفسهم، وكأنهم أصيبوا بالجنون، ولكن بعد ذلك… أصبح الناس متفائلين للغاية”.
وقد عاش عموري في لبنان مع والدته وشقيقه قبل أن يأتي إلى كندا، وفروا من الحرب من سوريا إلى لبنان بدون والدهم، الذي يعمل كمراقب حركة جوية مع هيئة الطيران المدني السورية.
ووصل عموري إلى كندا بمنحة دراسية كاملة لحضور كلية بيرسون UWC في فانكوفر، ودرس لاحقا التنمية الدولية في جامعة يورك في تورنتو، وبينما عرضت عليه كندا الفرص، إلا أنه لم يتوقف أبدا عن الشوق إلى الوطن – لكنه كان أيضا يريد بشدة رؤية والده المريض.
وكانت رحلة العودة إلى سوريا معرضة لخطر القبض عليه عند نقاط التفتيش في البلاد حيث لا يزال الرجال مجبرين على القتال في الجيش السوري ضد القوات الثورية المناهضة للأسد – على الرغم من أنه دفع رسوم إعفاء عسكري قدرها 7000 دولار أمريكي (10000 دولار كندي).
ووجد عموري نفسه يتصارع مع الواقع القاسي المتمثل في رؤية كيف تغير وطنه بعد 14 عاما، وقال: “شعرت أن الوطن ليس مكانا، الوطن هو شعور، وشعرت بذلك حقا عندما هبطت في دمشق”.
وكان لقاؤه بوالده، الذي لم يره منذ كان في الحادية عشرة من عمره، عاطفيا للغاية.
وقال عموري، الذي يبلغ من العمر الآن 24 عاما: “ما زلت أتخيله عندما تركته، أصغر سنا، لكنه الآن أكبر سنا”.
وكانت تلك اللحظة مليئة بالدموع والعناق، لكن خفف منها الدمار الذي كان ينتظره في منطقة مخيم اليرموك بدمشق، المكان الذي نشأ فيه.
ويتذكر قائلا: “واصلت السير في الشارع، أمشي وأمشي، حتى رأيت لافتة لمتجر بجوار المبنى الذي نعيش فيه”.
ويضيف: “واصلت صعود الدرج، ولم أميز ما إذا كان الطابق الثالث أو الرابع، ثم وجدت رسومات لامتحانات الصف السادس، وثوب تخرج أخي من الروضة.. إنه منزلنا، المكان الذي حمل ذكريات طفولتنا مدمر”.
وعلى الرغم من الدمار، يقول عموري إن صمود السوريين وتفاؤلهم يمنحه الأمل، وقد جعله يتساءل عما إذا كان ينبغي له العودة إلى كندا، حيث يشعر بمسؤولية متزايدة للبقاء والمساعدة في إعادة بناء البلد الذي لا يزال يسميه وطنه.
وبالنسبة لنيال، الذي ربى ابنته في كندا، فإن الرحلة ليست مجرد عودة إلى الوطن بل لحظة شخصية عميقة للمصالحة مع جذوره، وهو ما أصبح ممكنا الآن فقط بعد سقوط نظام الأسد.