أخبار

كيف تخفي الهجرة الأزمة الاقتصادية في كندا؟

بينما يواجه الكنديون الرسوم الجمركية الأمريكية العقابية، يحذر خبراء الاقتصاد من أن كندا تواجه أزمة اقتصادية قد تكون أخطر من أي تحدٍ خارجي.

حتى أن البنك المركزي الكندي، الذي نادرا ما يُصدر تحذيرات دراماتيكية، حذر صراحة من ضرورة “كسر الزجاج” وإعلان حالة طوارئ اقتصادية.

من جانبه، قال ستيفن بولوز، محافظ بنك كندا السابق، إن “الضعف الاقتصادي الهيكلي في البلاد مستمر منذ أكثر من عشر سنوات”، بينما يرى آخرون أن التدهور بدأ منذ فترة أطول.

كما يكمن جوهر المشكلة في التراجع المستمر في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وضعف إنتاجية العمل.

ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو متوسط ​​حصة الفرد من الناتج الاقتصادي للبلاد، وهو في الأساس مقياس لمستوى المعيشة، ولا تتعلق الإنتاجية بعدد ساعات العمل أو بجهد الناس، بل بكمية الثروة التي يخلقها كل عامل، متأثرة بعوامل مثل الاستثمار التجاري وتدريب الموظفين والضرائب.

وعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي شهد نموا طفيفا بفضل الزيادة السكانية الناتجة عن مستويات الهجرة المرتفعة، فإن نصيب الفرد من الناتج تراجع لستة أرباع متتالية، قبل أن يسجل تحسنا طفيفا مؤخرا.

ويتطلب الركود يتطلب ربعين متتاليين من الانكماش، لكن بعض الاقتصاديين يرون أن المواطن يشعر بالركود فعليا، بغض النظر عن التعريف الرسمي.

كما يرى خبراء أن ضعف الإنتاجية هو العامل الرئيسي وراء تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي، محذرين من أن استمرار هذا الاتجاه سيجعل كندا من بين الأضعف بين الدول الصناعية، ويصعب عليها الصمود أمام السياسات الحمائية الأمريكية.

وذكر بولوز: “لو كانت لدينا إنتاجية أعلى، لكانت لدينا مرونة اقتصادية أكبر.. ونحن بحاجة لهذه المرونة الآن”.

وعلى الرغم من الحماس الوطني الانتخابي المتمحور حول الرسوم الجمركية الأمريكية، فإن السياسيين الكنديين يتجاهلون إلى حد كبير الأزمة الهيكلية الداخلية، وفقا للخبراء.

وأوضح بول بودري، أستاذ الاقتصاد بجامعة بريتش كولومبيا ونائب محافظ بنك كندا السابق: “النقاش السياسي لا يضع هذه الأزمة في الواجهة، فالتركيز منصب على تخفيضات ضريبية ممولة من العجز، وهي حلول غير كافية لتعزيز الابتكار”.

ويرى اقتصاديون وقادة أعمال أن الحل يكمن في تحفيز القطاع الخاص عبر تقليل البيروقراطية، وتسهيل الاستثمار، ودعم تدريب العمال وربط مهارات المهاجرين بسوق العمل، وإزالة الحواجز بين المقاطعات.

وأكد باسكال شان، نائب رئيس غرفة التجارة الكندية، على ضرورة تسهيل بيئة الأعمال.

وفي حين أن هذه السياسات قد تكون مثيرة للجدل، فإن الاقتصاديين يشددون على أن الشركات المنتجة توظف عددا أكبر وتدفع أجورا أعلى وتولد إيرادات ضريبية أكبر.

وفي عام 2002، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كندا 82% من نظيره في الولايات المتحدة، لكنه انخفض إلى 72% بحلول 2022.

وفي نفس العام، بلغ نصيب الفرد الأمريكي قرابة 64 ألف دولار، أي أكثر بـ 18 ألف دولار من نظيره الكندي.

ومقارنة بدول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، كانت كندا متقدمة بـ 3 آلاف دولار في 2002، لكنها أصبحت دون المتوسط بحلول 2022.

كما تراجعت كندا مقارنة بأستراليا، وبات الفارق 4 آلاف دولار لصالح الأخيرة.

وفق توقعات منظمة OECD، فإن دخل الكنديين سيبلغ 63 ألف دولار للفرد بحلول 2060، مقابل 94 ألف دولار للأمريكيين.

وتراجع الاستثمار في أدوات الإنتاج مثل الذكاء الاصطناعي، والآلات، والتدريب، والملكية الفكرية، بشكل حاد.

وفي 2024، بلغ الاستثمار لكل عامل 14 ألف دولار، مقارنة بـ 18 ألفا في 2014.

في الوقت نفسه، يُفضل المستثمرون الكنديون توجيه أموالهم إلى الخارج، ويمتلك الكنديون تريليون دولار من الأصول في الولايات المتحدة، أكثر مما يستثمر الأمريكيون في كندا.

أما الإنفاق على البحث والتطوير، فقد تقلص إلى نصف معدل الولايات المتحدة.

لكن حتى مع هذه البيانات، فإن الحياة في كندا تظل أكثر عدالة من الناحية الاجتماعية، فالثروة موزعة بشكل أفضل من الولايات المتحدة، والكنديون يعيشون ثلاث سنوات أطول في المتوسط، وعشر سنوات أطول من سكان ألاباما، بحسب الاقتصادي الأمريكي الحائز على نوبل، بول كروغمان، لكنه أقر بأن الأداء الاقتصادي الكندي “أقل من المتوقع”.

وبحسب بودري، فإن “المشكلة ليست في السنوات القليلة الماضية، بل في حقيقة أن إنتاجية العمل لم تنمُ بشكل كافٍ منذ 30 عاما”.

ولا ينبغي للكنديين أن يصابوا بالهوس الشديد بشأن انكماش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين الماضيين مع توسع الهجرة، فقد كانت المشكلة موجودة منذ فترة أطول، وفقا لبودري.

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!