“سيكون ذلك مدمرا اقتصاديا”.. هل تنضم كندا إلى الاتحاد الأوروبي؟

عضوية الاتحاد الأوروبي ليست مطروحة في الانتخابات الكندية الحاسمة المقررة في وقت لاحق من هذا الشهر، لكن استطلاعات الرأي تُظهر اهتمام الكنديين بفكرة الانضمام إلى الاتحاد.
في الوقت الذي يُزعزع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العلاقة مع جاره الشمالي عبر سلسلة من الرسوم الجمركية العقابية ومنشورات عدائية على مواقع التواصل الاجتماعي، يتساءل الكنديون عما إذا كان عليهم التقرّب من حلفاء جدد أكثر موثوقية.
ففي استطلاع رأي حديث، أيّد 44% من الكنديين فكرة عضوية الاتحاد الأوروبي، مقارنة بـ 34% فقط رفضوها.
وأشارت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، باولا بينهو، إلى أن بروكسل “تشرّفت بنتائج هذا الاستطلاع”، لكنها أكدت، على ما يبدو، أن الدول الأوروبية فقط هي المؤهلة للعضوية، وفقا للمعاهدات الحاكمة للاتحاد.
ولكن بينما قد يبدو انضمام كندا إلى الاتحاد الأوروبي بعيد المنال حتى بالنسبة للمفوضية، قال خبراء الاتحاد الأوروبي الذين حللوا المسألة إنه على الرغم من أن مثل هذه المناورة من غير المرجح أن تنجح… إلا أنها ليست مستحيلة في الواقع.
“كندا مؤهلة بالتأكيد”
يبدو أن قضية انضمام كندا إلى الاتحاد الأوروبي، بصفتها العضو الثامن والعشرين، مبنية في المقام الأول على المشاعر.
فعلى الرغم من أن المحيط الأطلسي يفصل بينهما وآلاف الكيلومترات، إلا أن كندا والاتحاد الأوروبي يشتركان في العديد من المصالح المشتركة: روابط اقتصادية قوية، وقيم ديمقراطية مشتركة، وبالطبع، صداع الانقسام الذي تسببه إدارة دونالد ترامب الأمريكية.
وهذا يطرح السؤال – بالنظر إلى المصطلحات الواردة في المادة 49 من معاهدة الاتحاد الأوروبي التي تنص على أنه “يجوز لأي دولة أوروبية… التقدم بطلب للانضمام إلى الاتحاد” – هل هناك أي شيء يتجاوز الجغرافيا الأساسية يجعل دولة ما أوروبية، وهل يمكن لكندا أن تكون مؤهلة؟
صرحت جيزيل بوس، أستاذة دعم الديمقراطية الخارجية للاتحاد الأوروبي في جامعة ماستريخت: “أن تكون أوروبيا هو بالأحرى حالة ذهنية”.
وأضافت بوس: “لا يُعرّف مفهوم الدولة الأوروبية قانونيا ورسميا، وبالنظر إلى الماضي، نجد أن هناك دولا أوروبية لا تقتصر على القارة الأوروبية”، مشيرة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي لديها أقاليم ما وراء البحار في منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ والقطب الشمالي.
ووصفت الكنديين بأنهم “أوروبيون مميزون، إلى حد ما”، لأسباب منها إيمانهم بدولة الرفاهية، واستناد أنظمتهم السياسية والقانونية إلى النماذج الأوروبية، وامتلاك العديد من الكنديين لأصول قارية.
وأعرب فرانك شيميلفينيج، أستاذ السياسة الأوروبية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، عن رأي مماثل، متطرقا إلى نقاش مستمر حول معنى أن تكون أوروبيا، بعيدا عن مجرد وجودك على خريطة العالم.
وقال: “كندا مؤهلة بالتأكيد”، فهي “أقرب، من نواحٍ عديدة، إلى تلك القيم والمؤسسات والسياسات الأوروبية من العديد من الدول المرشحة حاليا”.
وتشمل هذه الدول المرشحة دول غرب البلقان، بالإضافة إلى أوكرانيا ومولدوفا، اللتين تتقدمان بشكل جيد (وإن كان بطيئا) على مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تركيا وجورجيا، اللتين تعثرتا بسبب التراجع الديمقراطي والمخاوف بشأن سيادة القانون.
وفي حين أن بعض الأجواء الكندية إيجابية، فإن أي قرار سيعود في النهاية إلى المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد.
وكملاحظة تحذيرية لأي متحمس لأوروبا في كندا، عندما تقدم المغرب، الجار الجنوبي للاتحاد الأوروبي، بطلب العضوية عام 1987، رُفض طلبه بحجة أنه ليس دولة أوروبية.
وعلى الرغم من أن بعض خبراء الاتحاد الأوروبي لديهم حجج حول إمكانية انضمام كندا إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن آخرين قللوا من شأن هذا الاحتمال.
فبداية، على الكنديين أن يكونوا جادّين للغاية بشأن ما يُسمى بـ “أوروبيتهم”، وحتى الآن، ربما كانت ردود الفعل على الاستطلاعات “مجرد انفعال من جانب الكنديين”، وفقا لبوس، الأستاذة بجامعة ماستريخت.
وقبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، دأبت دول أوروبا الوسطى على تصوير انضمامها على أنه “عودة إلى أوروبا”، موطن انتمائها التاريخي.
ولم يُبدِ الكنديون مشاعر مماثلة – على الأقل حتى الآن.
ويعتقد إيان بوند، نائب مدير مركز الإصلاح الأوروبي، أنه “سيكون من الصعب للغاية إثبات أن كندا دولة أوروبية” لعدة أسباب.
وقال إنه حتى لو اجتازت اختبار ما يُسمى بـ “الأوروبية”، فإن “الاقتصاد العملي” سيعيق ذلك.
وأضاف بوند: “ستضطر كندا حينها إلى وضع حدود جمركية بينها وبين الولايات المتحدة، وتطبيق تعريفات ولوائح الاتحاد الأوروبي على الواردات من الولايات المتحدة… سيكون ذلك مدمرا اقتصاديا بشكل لا يُصدق، وسيفوق أي فوائد قد تتوقعها من عضوية الاتحاد الأوروبي على مدى سنوات طويلة”.
وأشار إلى أن السماح بانضمام عضو جديد إلى الاتحاد يتطلب إجماعا، بل وحتى استفتاءات في بعض الدول الأعضاء، مثل فرنسا.
إنه احتمال بعيد المنال
وأخيرا، قد يُحبط منح كندا الضوء الأخضر لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بعض الدول، مثل تركيا، التي تنتظر الانضمام منذ عقود.
وقالت بوس: “لا أعتقد أن هذا ممكن على المدى القصير، نظرا للإجراءات وحالة الاتحاد وتوسعه”.
وأوضح بوند: “بدلا من ذلك، ما يمكن لكندا فعله هو تحسين اتفاقية شراكتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي”.
ويبدو أن السلطات الكندية تعمل على ذلك بالفعل، فقد قام رئيس الوزراء الجديد مارك كارني بأول زيارة خارجية له إلى فرنسا في 17 مارس لمناقشة بناء علاقات اقتصادية ودفاعية وتجارية أقوى مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ولكنه ربما يكون قد ارتكب خطأ فادحا في أي طموحات بعيدة المنال للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، عندما وصف كندا بأنها “الأكثر أوروبية بين الدول غير الأوروبية”.
ولو كانت بروكسل تسجل ملاحظاتها، فقد يأتي ذلك بنتائج عكسية إذا تقدمت كندا فعليا بطلب العضوية.