جوازات السفر الذهبية تواجه اختبارا قضائيا .. هل يمتلك الاتحاد الأوروبي الصلاحية لوقف بيع الجنسيات؟

في العام الفائت، نُشر خبر إدانة شاب روسي بالسجن خمس سنوات لتورطه في إدارة شبكة لغسل الأموال ضمن منظومة إجرامية عابرة للحدود.
وكشف التحقيق الصحفي لاحقا عن امتلاكه جنسية مالطا، الدولة الأوروبية المتوسطية العضو في الاتحاد الأوروبي، حيث حصل هو ووالده على جوازات سفر مالطية عام 2022 مقابل استثمار مالي.
وبعد الإدانة في المملكة المتحدة، أفادت تقارير بأن السلطات المالطية بدأت إجراءات سحب جواز سفره.
تُعرف برامج “الجنسية بالاستثمار”، أو ما يُشار إليه بــ”جوازات السفر الذهبية”، بأنها تمنح الأجانب حق الحصول على جنسية دولة ما – وفي حال دول الاتحاد الأوروبي كمالطا، جنسية الاتحاد ذاته – مقابل مساهمات مالية.
وخلال السنوات الماضية، كشفت وقائع عديدة عن استغلال شخصيات إجرامية ومتورطة في الفساد لهذه البرامج، مما عزز الإجماع على أن هذه المخططات تُسهِّل دخول الأموال غير المشروعة إلى الفضاء الأوروبي، مُهددةً أمنه ومقوّضة الجهود العالمية لمحاربة الفساد.
وأدى هذا الواقع إلى تدخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي وإغلاق غالبية البرامج المماثلة.
اليوم، تُعتبر مالطا العضو الوحيد في الاتحاد الذي ما زال يشغّل برنامجا لبيع الجنسية، وقد يتغير هذا المشهد إذا أقرت “محكمة العدل الأوروبية” في حكمها المنتظر الأسبوع المقبل بعدم شرعية هذا البرنامج.
إشكالية الاتجار بالجنسيات:
رغم وجود آليات عالمية عديدة لجذب الاستثمارات، فإن برامج الجنسية الذهبية تتميز بسمات تجعلها فريدة في هشاشتها أمام الاستغلال.
فهي تتيح الحصول على الجنسية عبر مسار سريع، مع فترات معالجة قصيرة للطلبات، وتعتمد شروطًا مرنة كالاستثمار في عقارات فاخرة – وهي قناة معروفة لغسل الأموال. علاوةً على ذلك، فإن متطلبات الإقامة الفعلية في الدولة شبه معدومة.
ومن الواضح أن ما يتم تسويقه هو “الوصول إلى الاتحاد الأوروبي”، مما يجعل هذه البرامج جاذبةً لمن يبحثون عن ملاذات آمنة أو فرص للجرائم الاقتصادية. إلى جانب تسهيل التنقل، يمنح الحصول على جنسية الاتحاد امتيازات مثل تخفيف إجراءات فتح الحسابات المصرفية أو الشركات.
على سبيل المثال، كشف تحليل عام 2023 لسجلات الشركات الفرنسية بالتعاون مع “مجموعة بيانات مكافحة الفساد” عن 20 حالة على الأقل لأشخاص حاصلين على الجنسية المالطية عبر الاستثمار، والذين أسسوا شركات في فرنسا مُعلنين فقط عن جنسيتهم الأوروبية.
بينما أظهرت تحليلات “مؤسسة دافني كاروانا غاليزيا” أن معظمهم من أصول روسية، وحصلوا على الجنسية بين 2016 و2019.
ويُذكر أن بعض هؤلاء خاضعون لعقوبات أو مرتبطون بشخصيات روسية مثيرة للجدل. كما استغل آخرون جوازات سفر الاتحاد للاستثمار في عقارات فاخرة، متجاوزين قيودا تُفرض على غير الأوروبيين.
اتجاه الاتحاد الأوروبي نحو إنهاء البرامج:
خلال السنوات الأخيرة، كشفت تحقيقات صحفية عديدة عن عيوب هيكلية في برامج بيع الجنسية. في حالات كثيرة، تجاهلت الحكومات مؤشرات خطر واضحة خلال عملية التقديم، بينما برزت مشكلات أخرى لاحقا.
وطالبت منظمة الشفافية الدولية مراراً بفرض تنظيمٍ أوروبي موحد لبرامج الهجرة الاستثمارية، لسد الثغرات التي تسمح بتسريب الأموال غير المشروعة إلى الفضاء الأوروبي.
وعلى مدى خمس سنوات، تبنت المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي هذه المخاوف، حيث أظهرت تحليلاتهما الذاتية أن برامج بيع الجنسية تُهدد الأمن المالي والقضائي للاتحاد. أدى ذلك إلى إجماعٍ مؤسسي على ضرورة حظر هذه الممارسات بشكل كامل.
إغلاق البرامج: بين الامتثال والمقاومة:
استجابت دول مثل قبرص وبلغاريا للضغوط الأوروبية، حيث أوقفتا برامج جوازات السفر الذهبية عامي 2020 و2022 على التوالي. في المقابل، رفضت مالطا إنهاء برنامجها، مما دفع المفوضية الأوروبية إلى رفع دعوى قضائية ضدها أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، تُعتبر سابقةً في نوعها.