القضايا الثماني المصيرية التي يجب على رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني مواجهتها

سيتولى رئيس الوزراء الجديد مارك كارني منصبه في وقتٍ تواجه فيه كندا عددا من التحديات المُلحة، وتتصدر الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتأثيرها على الاقتصاد الكندي هذه التحديات، ولكن هذه ليست نهاية المطاف.
لا يزال النقص في المساكن حادا، ولا يستطيع العديد من الكنديين الوصول إلى طبيب العائلة.
ولم تختفِ النقاشات الأخيرة حول نظام الهجرة والتدفق الأخير للمقيمين المؤقتين – وتأثيرهم على الخدمات – كما لم تختفِ الحاجة إلى الاستجابة لخطر تغير المناخ.
وضغط ترامب على كندا لزيادة الإنفاق الدفاعي، بينما دفعت حربه التجارية إلى دعواتٍ لتعزيز اكتفاء الجيش الكندي ذاتيا.
وفيما يلي بعضٌ من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة:
ترامب
منذ عودته إلى منصبه في يناير، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضم كندا، لتصبح الولاية رقم 51 في بلاده، وفرض تعريفات جمركية شاملة، ثم تراجع عنها فجأة، ثم أعاد فرض سلسلة من الرسوم أكثر استهدافا.
ووقد وضع هذا كله كندا في مواجهة أخطر تهديد قادم من جنوب الحدود منذ حرب عام 1812، وأشد حرب تجارية عقابية في تاريخ البلاد الحديث.
وعلى وجه السرعة، يتعين على الحكومة الجديدة التعامل مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تعريفات الرئيس الجمركية على قطاعات رئيسية، من السيارات إلى الصلب والألمنيوم.
وعلى المديين المتوسط والطويل، سيتعين على الحكومة الكندية الجديدة إعادة النظر في علاقة البلاد بالولايات المتحدة، في ظل إصرار ترامب على إنهاء حقبة تعميق التعاون الاقتصادي والتراجع عن ضمانات الأمن الجماعي للتحالف الديمقراطي العالمي.
الاقتصاد والرسوم الجمركية
قبل وقت طويل من بدء ترامب تهديداته بتدمير اقتصاد جاره وقلب نظام التجارة العالمي رأسا على عقب، كانت كندا على وشك مواجهة محاسبة اقتصادية.
فقد شهدت البلاد سنوات من النمو الاقتصادي الفاتر (الذي حجبه جزئيا النمو السكاني)؛ وضعف الاستثمار التجاري؛ وتدهور القدرة على تحمل التكاليف، لا سيما فيما يتعلق بالسكن.
وفي العام الماضي، أعلنت كارولين روجرز، نائبة محافظ بنك كندا، أن تباطؤ الإنتاجية في البلاد – أي مقدار الإنتاج لكل ساعة عمل – يُمثل حالة طوارئ “لا مفر منها”.
وحذرت من أنه ما لم يتحسن الوضع، فإن الأجور ستركد، وسيصبح التضخم أكثر صعوبة، وسيتدهور مستوى معيشة الكنديين.
ويتعين على الحكومة القادمة معالجة هذه المشاكل المزمنة، مع التعامل في الوقت نفسه مع حرب ترامب التجارية المتقلبة.
الإسكان
خلال السنوات الخمس الماضية، هيمنت أزمة الإسكان بشكل متزايد على الخطاب السياسي الكندي على جميع المستويات.
ومن المرجح أن تعود في الفترة المقبلة للحكومة، فقد أدى النقص الهيكلي في المساكن في البلاد، بالإضافة إلى عقد من ارتفاع معدلات الهجرة، إلى خلق حالة من عدم التوافق ستتفاقم قبل أن تتحسن.
ما الذي يمكن للحكومة الفيدرالية فعله في هذا الصدد؟ يمكنها توفير التمويل، وتعديل قانون البناء لتسهيل البناء، وبناء المساكن بشكل مباشر.
وتُقدر مؤسسة كندا للرهن العقاري والإسكان (CMHC) أن البلاد بحاجة إلى مضاعفة معدل البناء الحالي، وبناء 3.5 مليون منزل إضافي عما هو متوقع بناؤه خلال السنوات الخمس المقبلة – لمجرد إعادة القدرة على تحمل تكاليف السكن إلى ما كانت عليه في عام 2000.
المناخ والطاقة
تُعاني كندا من قصور في تحقيق إمكاناتها لأن تكون موردا عالميا للنفط والغاز، أو رائدة في التحول إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون، أو كليهما.
وفيما يتعلق بالوقود الأحفوري، فبالرغم من التوسعة المدعومة من الحكومة لخط أنابيب النفط “ترانس ماونتن” والافتتاح الوشيك لأول محطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال في البلاد في مقاطعة بريتش كولومبيا، إلا أن هناك شكاوى واسعة النطاق حول تفويت فرص إيصال المزيد من المنتجات إلى الأسواق الخارجية في العقود الأخيرة.
وستُواجه الحكومة المقبلة، نتيجة لضرورة تقليل الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة، ضغوطا أكبر لبناء خطوط الأنابيب وغيرها من المشاريع، بما في ذلك تسريع إجراءات إصدار التصاريح والتنظيم التي تُعتبر عقبة، والمساعدة في ضمان دعم المجتمعات الأصلية.
ومع ذلك، قد تضطر الحكومة أيضا إلى تحديد المشاريع المهجورة التي تُعتبر ذات جدوى اقتصادية لمحاولة إحيائها.
وسيتعين على الحكومة أيضا الموازنة بين أي مسعى لزيادة صادرات الوقود الأحفوري ودور كندا في مكافحة تغير المناخ.
الهجرة
سيواجه رئيس الوزراء الكندي الجديد الآثار المتتالية للتحولات السياسية الأخيرة، بما في ذلك تراجع كبير في قبول الإقامة المؤقتة.
إذ تُفرض حاليا قيود على تدفقات الهجرة المؤقتة بعد سنوات من الاعتماد المتزايد على العمال المهاجرين لتوفير مجموعة واسعة من الوظائف منخفضة الأجر، وعلى الطلاب الدوليين لتمويل التعليم ما بعد الثانوي.
وقد ترك هذا العديد من المقيمين المؤقتين في حالة من عدم اليقين، وأثار تساؤلات حول كيفية سد الثغرات المستعصية في سوق العمل.
وفي غضون ذلك، لا تزال الشكاوى القديمة من المدافعين عن حقوق العمال، الذين يرون أن برامج الهجرة المؤقتة تُشجع على الاستغلال، دون حل إلى حد كبير.
كما أثار انخفاض أهداف الإقامة الدائمة مخاوف بشأن النمو الاقتصادي.
وبينما تتسلل قضايا تكلفة المعيشة – وخاصة ضغوط السكن – بشكل متزايد إلى النقاش حول مستويات الهجرة، سيحتاج صانعو السياسات إلى مراعاة شيخوخة السكان في كندا وتقلص قوتها العاملة.
وستلوح في الأفق تحديات بيروقراطية كبيرة: إذ لا تزال تراكمات الطلبات تُثقل كاهل وزارة الهجرة، على الرغم من التحسينات الأخيرة.
ولكن ربما يكون التحدي الأصعب الذي يواجه مشهد الهجرة في كندا هو التطورات جنوب الحدود.
فلطالما خضعت المعابر الحدودية لمعاهدة ثنائية للاجئين، قائمة على أن تكون كل من كندا والولايات المتحدة آمنة لطالبي اللجوء.
ولكن حملة ترامب الأخيرة على الهجرة – بما في ذلك تصعيد كبير في الاحتجاز والترحيل السريع – أثارت انتقادات متجددة للاتفاقية، وبالنسبة للقيادة السياسية الكندية، ستكون المهمة هي الموازنة بين التزاماتها القانونية تجاه اللاجئين ونظام الهجرة المُرهق أصلا.
الرعاية الصحية
في حين أن ملايين الكنديين لا يحصلون على رعاية صحية أولية منتظمة، لم تحظَ هذه القضية باهتمام كبير في الحملة الانتخابية الفيدرالية، بما في ذلك في المناظرات باللغتين الفرنسية والإنجليزية.
وتتمثل المشكلة في نقص الكادر الطبي: تعاني كندا من ضغوط هائلة على القوى العاملة الصحية، وتطالب منظمات الرعاية الصحية الحكومة الفيدرالية بمعالجة هذه المشكلة على وجه السرعة.
والصورة الحالية قاتمة، فقد وجد تقرير صادر عن وزارة الصحة الكندية في فبراير أن البلاد بحاجة إلى عشرات الآلاف من العاملين الإضافيين في مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك ما يقرب من 23 ألف طبيب أسرة، كما توقع التقرير أن الوضع سيزداد سوءا في العقد المقبل إذا لم تُتخذ إجراءات لمعالجته.
الدفاع
عانى الجيش الكندي من عقود من نقص الاستثمار، مما أضرّ بجاهزيته العملياتية، وقدرته على تجنيد وتدريب الجنود والبحارة والطيارين، واستثماره في المعدات والبنية التحتية.
وتتعرض كندا لضغوط من حلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة، للوصول إلى هدف حلف الناتو للإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتنفق كندا حاليا حوالي 1.37%، وهي نسبة متدنية نسبيا في الحلف.
وقال ديفيد بيري، رئيس المعهد الكندي للشؤون العالمية: “إن النظرة إلينا كمتقاعسين أثرياء تُمثل مشكلة حقيقية في علاقاتنا مع حلفائنا الرئيسيين الآخرين، ولا يقتصر الأمر على الأمريكيين فحسب؛ فالأوروبيون والشركاء في آسيا سئموا منا أيضا”.
وتعهدت أكبر ثلاثة أحزاب سياسية اتحادية في كندا بزيادة الإنفاق إلى 2%، وهو ما يتطلب 18 مليار دولار إضافية سنويا، وتعهد الليبراليون والمحافظون بتحقيق ذلك بحلول عام 2030.
وواجهت كندا مرارا وتكرارا صعوبات في شراء معدات جديدة في الوقت المناسب، لدرجة أن كلا من الليبراليين والمحافظين وعد بحلول مثل إنشاء وكالة مستقلة للمشتريات الدفاعية أو أمانة عامة.
كما تواجه كندا قرارا صعبا بشأن ما إذا كانت ستُقلل من تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة في ظل حديث ترامب عن ضم كندا.
الوحدة
لقد جمعت تهديدات ترامب الكنديين معا، مما أدى إلى موجة من الحماسة الوطنية المُلَوِّحة بالأعلام، ولكن هل يعني هذا أن رئيس الوزراء الجديد يمكنه أن يطمئن بشأن قضية الوحدة الوطنية الدائمة؟ ليس بالضرورة.
إذ يتصدر حزب كيبيك الانفصالي استطلاعات الرأي في كيبيك، ويتعهد الحزب بإجراء استفتاء على الاستقلال – وهو الثالث في كيبيك – في ولايته الأولى إذا انتخبه الكيبيكيون في الانتخابات القادمة عام 2026.
ومن ناحية أخرى، وصل دعم الانفصال عن بقية كندا إلى أدنى مستوياته منذ سنوات، حيث انخفض إلى أقل من 30% في استطلاع حديث، وفي ظلّ رسوم ترامب الجمركية، ودعواته المُلحّة لانضمام كندا إلى الولايات المتحدة، ينخرط العديد من سكان كيبيك في موجة الحماس الوطني، وتتجاوز نسبة الكيبيكيين الذين يفتخرون بكونهم كنديين الآن نسبتهم في ألبرتا.
وهذا يقودنا إلى مشكلة الوحدة الأخرى التي يواجهها رئيس الوزراء، فرغم تهديدات ترامب، يُصرّح ربع سكان ألبرتا في استطلاعات الرأي بأنهم سيختارون فصل المقاطعة عن الاتحاد الكونفدرالي إذا طُرح عليهم هذا السؤال في استفتاء، ويشاركهم الرأي خُمس سكان ساسكاتشوان.
وبصرف النظر عن التلويح بالأعلام، سيكون على رئيس الوزراء المنتخب حديثا أن يعمل جاهدا على تهدئة الانقسامات في البلاد.