هل يتعرض مارك كارني للإذلال العلني في البيت الأبيض كما حدث مع الرئيس الأوكراني سابقا؟

نادرا ما كانت اجتماعات دونالد ترامب، المقيم في الولايات المتحدة، مع القادة الأجانب تسير وفقا للخطة، ويمكنكم سؤال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تحولت زيارته الأخيرة للمكتب البيضاوي إلى توبيخ متلفز أذهل الدبلوماسيين – حتى مع ارتفاع نسب تأييده في الداخل، والآن، جاء دور كندا.
اليوم الثلاثاء، سيصبح رئيس الوزراء المنتخب حديثا، مارك كارني، أحدث زعيم يخطو على مسرح ترامب ذي المخاطر العالية، ولكن بالنسبة للكنديين، تبدو المخاطر حادة بشكل فريد: فقد طرح ترامب بالفعل فكرة أن تصبح كندا الولاية رقم 51، واقترح تسمية رئيس وزرائها “حاكما”، وفرض رسوما جمركية شاملة أضرت بواحدة من أكثر العلاقات التجارية استدامة في العالم.
وصرح روبرت بوثويل، أستاذ التاريخ الكندي والعلاقات الدولية بجامعة تورنتو: “خسارته أكبر من مكاسبه”، محذرا من أن كارني يُخاطر بأن يصبح الزعيم الأجنبي التالي الذي يُستخدم كأداة سياسية، وأضاف “سابقة زيلينسكي غير مُشجعة”.
ويُصرّ كارني على أنه ذاهب إلى واشنطن “للحصول على أفضل صفقة لكندا” ولمعالجة ما يُسميه “الضغوط التجارية الفورية”، ولكن حتى قبل المصافحة الأولى، بدا ترامب في حيرة، فقد قال الرئيس للصحفيين يوم الاثنين: “لست متأكدا مما يُريد مقابلتي بشأنه، وأعتقد أنه يُريد إبرام صفقة، فالجميع يُريد ذلك”.
ويُشكّل المشهد الخارجي وحده خطرا على كارني، الذي فاز بالمنصب بناء على وعدٍ بمواجهة ترامب، ولقد حصل على تفويضه الانتخابي ردا على العدوان الاقتصادي للرئيس، وإهاناته الخطابية، وتجاهله الواضح للسيادة الكندية، ومع ذلك، ورغم تباهي الحملة الانتخابية، يقول الخبراء إنه إذا تحول اجتماع الثلاثاء إلى استعراض، فقد يكون الضرر طويل الأمد.
ويقول بوثويل: “يتوقع الكنديون ألا يكون خاضعا، وإذا تجاوز ترامب الخط علنا، فسيكون من واجب كارني أن يهز رأسه ويقول: ‘حسنا، لا، لا أوافق'”.
والضغط على كارني لتجنب لحظة شبيهة بلحظة زيلينسكي واضح، فالزعيم الأوكراني، على الرغم من دعمه السياسي في نهاية المطاف في الداخل، دخل اجتماعا مع ترامب في أواخر فبراير، وصفه العديد من محللي السياسة الخارجية بأنه “فخ” – فخ أكد جوع ترامب للهيمنة في اللقاءات الثنائية، ولكن على عكس زيلينسكي، يأتي كارني إلى واشنطن كزعيم لحليف أقرب بكثير – حليف لعب ترامب معه علنا، وقد أثارت تعليقاته العفوية حول الضم والعقوبات التجارية ناقوس الخطر في الأوساط الدبلوماسية الكندية.
وقال ترامب في مقابلة مع مجلة تايم في 22 أبريل، ردا على سؤال حول جعل كندا الولاية رقم 51، مدعيا أن الولايات المتحدة تخسر ما بين 200 و250 مليار دولار سنويا لدعمها من خلال الإنفاق العسكري والعجز التجاري، وهو ما لم يتمكن مدققو الحقائق من التحقق منه: “أنا لا أقوم بالاحتيال حقا”، وأضاف: “سألتُ رجلا، كنتُ أُسميه الحاكم ترودو، وقلتُ: لماذا؟ لماذا تعتقد أننا نخسر كل هذا المال لدعمك؟ هل تعتقد أن هذا صحيح؟”، ولم يتمكن من إعطائي إجابة، لكن رعاية كندا تُكلفنا أكثر من 200 مليار دولار سنويا.
وأضاف ترامب: “لسنا بحاجة إلى أخشابهم، ولا إلى طاقتهم – لا نحتاج إلى أي شيء من كندا، وأقول إن الطريقة الوحيدة لنجاح هذا الأمر هي أن تُصبح كندا ولاية”، كما وصف ترامب الحدود بين البلدين بأنها خط مرسوم بشكل مصطنع يعيق التكامل الاقتصادي والتعاون الأمني.
وفي حديثه بعد فوزه الانتخابي، أوضح كارني أن بلاده لن ترضخ “أبدا” للولايات المتحدة وقال: “كما حذرتُ منذ شهور، فإن أمريكا تريد أرضنا ومواردنا ومياهنا وبلدنا، وهذه ليست تهديدات فارغة، فالرئيس ترامب يحاول تحطيمنا حتى تتمكن أمريكا من امتلاكنا، وهذا لن يحدث أبدا”.
وبالنسبة لكارني، فإن التوقيت مناسب ومحفوف بالمخاطر في آن واحد، فمع وجود أقلية ليبرالية قوية في البرلمان وعدم وجود انتخابات وشيكة، لديه مجال للمخاطرة، كما يقول دانيال بيلاند، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماكجيل في مونتريال.
ويضيف بيلاند: “قبل الانتخابات الفيدرالية، كانت زيارة رئيس الوزراء كارني للبيت الأبيض ستكون فكرة سيئة، لأنها كانت ستُمثل مجازفة انتخابية”، أما الآن، وبعد أن أصبح لليبراليين حكومة أقلية قوية من حيث عدد المقاعد، ومع استبعاد إجراء انتخابات فيدرالية جديدة في أي وقت قريب، ربما يستطيع تحمل مخاطرة لقاء الرئيس ترامب، حتى لو ظل أسلوب الأخير المتقلب مصدر قلق لرئيس الوزراء وفريقه.
ومع ذلك، قال بوثويل: “على كل من ينظر إلى حدث زيلينسكي أن يفكر مليا قبل أن يأتي إلى المكتب البيضاوي ويترك ترامب يهاجمه”.
ومن جانبه، لم يُبدِ كارني رغبة تُذكر في الخضوع، فمنذ توليه منصبه، أعلن انتهاء عهد التكامل التلقائي بين الولايات المتحدة وكندا، مُركزا بدلا من ذلك على العلاقات مع المملكة المتحدة وفرنسا، وقال في مؤتمر صحفي يوم الجمعة: “علاقتنا القديمة، القائمة على التكامل المتزايد باطراد، قد ولّت”، وأضاف كارني أنه يُخطط بالأساس لاستغلال اجتماعه مع ترامب لمناقشة الإنفاق العسكري والتعريفات الجمركية البالغة 25% التي فرضها على الصادرات الكندية، بما في ذلك المركبات وقطع غيار السيارات والصلب والألمنيوم، والتي قد تُهدد مئات الآلاف من الوظائف، ودفعت كندا إلى إعلان سلسلة من التعريفات الجمركية الانتقامية بنسبة 25% على الواردات الأمريكية، وقال: “ستكون مفاوضات مُعقدة”.
ولكن حتى مؤيدو كارني يُقرّون بأن التأكيد الرمزي على السيادة أمام الكاميرات لا يُعادل التفاوض على إلغاء الرسوم الجمركية خلف الأبواب المغلقة، لا سيما مع سعي ترامب المُلحّ لإجراء مراجعة مُبكرة لاتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، المُقرر إجراؤها في عام 2026، وقد تُحوّل إعادة التفاوض الأوسع هذه اجتماع الثلاثاء إلى لحظة حاسمة في المُستقبل الاقتصادي للقارة.
ومع ذلك، يُدير كارني التوقعات، وقال يوم الجمعة: “لا تتوقعوا دخانا أبيض من هذا الاجتماع”، ولكن في البيت الأبيض بقيادة ترامب، قد يكون الهدف أبسط – وأصعب: تجنّب الإذلال.
ويقول بيلاند: “الرئيس ترامب لا يُمكن التنبؤ بتصرفاته، ويمكنه تغيير مواقفه وخطاباته بسرعة كبيرة، كما أنه يُولي اهتماما كبيرا للمظهر العام والتفاعلات الشخصية مع قادة العالم الآخرين… بالنسبة لرئيس الوزراء كارني، الأهم هو الثبات على موقفه وتجنّب الإذلال العلني”.