
حذر باحثون من أن ارتفاع درجات الحرارة العالمي قد يُطلق العنان لموجة جديدة من الأمراض الفطرية المميتة، التي ستغزو مناطق لم تكن معرضة لها سابقا، في ظل غياب استعدادات كافية لمواجهة هذا الخطر الصحي المُتسارع.
تُعد الفطريات كائنات واسعة الانتشار، توجد في التربة، الهواء، الماء، وحتى في السماد العضوي، وعلى الرغم من فوائدها البيئية (كتحليل المواد العضوية)، فإن بعضها يشكل تهديدا صحيا جسيما، حيث تتسبب العدوى الفطرية في وفاة 2.5 مليون شخص سنويا، وفقًا لأحدث التقديرات.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو قدرة هذه الكائنات على التكيف مع المناخات الأدفأ، مما يُمهد لانتشارها خارج نطاقاتها الجغرافية التقليدية.
دراسة تنبؤية: خريطة التوسع الفطري بحلول 2025:
في دراسة حديثة قيد المراجعة العلمية، استخدم فريق من جامعة مانشستر البريطانية نماذج حاسوبية متطورة وبيانات مناخية لتوقع انتشار فطريات “أسبرغيلوس” – المُسببة لمرض “داء الرشاشيات” الذي يُهاجم الرئتين – بحلول منتصف القرن الحالي.
النتائج تشير إلى توسع ملحوظ في نطاق هذه الفطريات، لتصبح أمريكا الشمالية، أوروبا، الصين، وروسيا ضمن المناطق الأكثر عرضة لتفشي الإصابات.
ويُعلق الدكتور نورمان فان راين، المشارك في الدراسة: “الفطريات مُهملة بحثيا مقارنة بالفيروسات، لكن نماذجنا تُظهر أنها ستُصبح تهديدا عالميا يتطلب استثمارات عاجلة في التشخيص والعلاج”.
من الخيال إلى الواقع: كيف سلطت الدراما الضوء على الخطر الفطري؟
اكتسبت القضية زخمًا إعلاميًا بعد نجاح مسلسل “ذا لاست أوف أس” (من إنتاج HBO)، الذي يصور عالمًا تدمره فطريات متحولة تحوّل البشر إلى كائنات عدوانية. رغم طبيعة العمل الخيالية، يؤكد الباحثون أن الفطريات الحقيقية – مثل “أسبرغيلوس” – لا تقل خطورة:
-
يقول فان راين: “المسلسل خيالي، لكنه يذكرنا بأن فطريات حقيقية تقتل الملايين سنويا دون أن تحظى بالاهتمام الكافي”.
آلية الإصابة: عندما يتحول الاستنشاق اليومي إلى خطر مميت:
تعيش فطريات “أسبرغيلوس” في التربة، وتطلق مليارات الأبواغ المجهرية التي يستنشقها البشر يوميًا دون أضرار في الظروف العادية، بفضل جهاز مناعة سليم، ولكن الخطر يظهر عند:
-
ضعف المناعة: كما لدى مرضى السرطان، متلقي زراعة الأعضاء، أو الناجين من عدوى حادة مثل كوفيد-19.
-
أمراض الرئة المزمنة: مثل الربو، التليف الكيسي، ومرض الانسداد الرئوي.
في هذه الحالات، تُهاجم الأبواغ أنسجة الرئة، وتبدأ – بحسب وصف فان راين – “بالنمو والتغذي على الأعضاء الداخلية للجسم”، مما قد يؤدي إلى فشل تنفسي أو تسمم دم قاتل.
نداء علمي: تعزيز الأبحاث والاستعداد لمواجهة “الجائحة الصامتة”:
يحذر الخبراء من أن التغير المناخي ليس التهديد الوحيد؛ فضعف الاستثمار في تطوير الأدوية المضادة للفطريات (مقارنة بالمضادات الحيوية) يزيد الأزمة تعقيدًا.
واليوم، تُعد خيارات العلاج محدودة، وتتسبب الأدوية الحالية في آثار جانبية شديدة لدى 50% من المرضى.
ويدعو العلماء إلى:
-
تعزيز المراقبة الوبائية للعدوى الفطرية.
-
تسريع تطوير لقاحات فطرية.
-
زيادة الوعي العام بعلامات الإصابة، مثل السعال الدموي المستمر والحمى غير المبررة.