نصف الكنديين يؤيدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.. فهل تراجع كندا تحالفاتها؟

يشير استطلاع رأي حديث أجرته شركة أباكوس داتا إلى أن ما يقرب من نصف الكنديين يؤيدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وأظهر الاستطلاع، الذي أُجري في مارس، أن الكنديين يعتبرون الاتحاد الأوروبي الشريك الأهم لكندا خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، تليها المملكة المتحدة ثم الولايات المتحدة.
اتسقت الدبلوماسية الأخيرة لرئيس الوزراء مارك كارني في قمة الاتحاد الأوروبي وكندا في بروكسل مع التوجهات العالمية المتغيرة للكنديين، فقد وقّع كارني شراكة أمنية ودفاعية شاملة مع الاتحاد الأوروبي، والتزم بتعزيز علاقة كندا مع التكتل في مجالات التجارة والمناخ والذكاء الاصطناعي والمعادن الأساسية.
وقال كارني للصحفيين في بروكسل في 23 يونيو: “بصفتها أكثر الدول غير الأوروبية انتماء إلى الاتحاد الأوروبي، تتطلع كندا أولا إلى الاتحاد الأوروبي لبناء عالم أفضل”.
وتقول مصادر إن اهتمام كندا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد لا يكون طموحا حرفيا بقدر ما هو إشارة إلى رغبة كندا في ترسيخ علاقاتها الراسخة.
وصرح ديفيد كوليتو، الرئيس التنفيذي لشركة أباكوس داتا: “هناك تقارب طبيعي لدى معظم الكنديين تجاه أوروبا عموما، والعديد من الدول الأوروبية تحديدا”.
وأضاف “على الرغم من كوننا دولة مطلة على المحيط الهادئ، إلا أننا ما زلنا مطلين على المحيط الأطلسي إلى حد كبير، وذلك بفضل تراثنا العريق”.
“أساس حسن النية”
يقول كوليتو إن رئاسة ترامب هي العامل الرئيسي وراء تغير آراء كندا تجاه أوروبا، ولكنها ليست العامل الوحيد.
وأضاف: “أعتقد أن الدافع الأكبر في الوقت الحالي هو رد الفعل تجاه ترامب.. ولكنه مبني أيضا على أساس حسن النية تجاه أوروبا عموما”.
وفي استطلاع أباكوس، قال 46% من المشاركين إنهم سيدعمون انضمام كندا إلى الاتحاد الأوروبي، وأفاد 44% أنه ينبغي على الحكومة الكندية النظر في الانضمام إليه بشكل قاطع أو محتمل، بينما أشار 29% فقط من المشاركين إلى أنهم سيعارضون انضمام كندا.
وأشار أخيم هورلمان، أستاذ العلوم السياسية والمدير المشارك لمركز الدراسات الأوروبية بجامعة كارلتون، إلى أن المواطن الكندي العادي ليس على دراية بمسؤوليات عضوية الاتحاد الأوروبي.
وقال: “الاتحاد الأوروبي كيان معقد للغاية، ومن الواضح أن معظم الكنديين لا يدركون تعقيده المؤسسي أو معنى العضوية”.
إذ يتطلب الاندماج الكامل في الاتحاد الأوروبي من كندا إجراء تغييرات تنظيمية شاملة واعتماد قانون الاتحاد الأوروبي، من بين تغييرات أخرى، وأشار إلى أن “الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تعد قادرة على إبرام اتفاقيات تجارية خاصة بها”.
وتابع “لذلك، على سبيل المثال، ستخضع التجارة الكندية مع الولايات المتحدة للسياسة التجارية المشتركة للاتحاد الأوروبي”.
وأضاف: “هذا، بالطبع، سيكون أقل مرونة بكثير، وسيقلل من قدرتنا على إبرام اتفاقيات تجارية مع الدولة التي ستظل بالتأكيد أكبر شريك تجاري لنا لأسباب جغرافية فحسب”.
وفي عام 2017، وقّعت كندا والاتحاد الأوروبي اتفاقية التجارة الاقتصادية والتجارية الشاملة (CETA)، وهي اتفاقية تضمن وصول 98% من السلع المتداولة بين كندا والاتحاد الأوروبي إلى الأسواق معفاة من الرسوم الجمركية.
ومنذ ذلك الحين، نمت الصادرات الكندية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 60% تقريبا، ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة الشريك التجاري الأهم لكندا بفارق كبير، ففي عام 2024، صدّرت كندا سلعا بقيمة 600 مليار دولار تقريبا إلى الولايات المتحدة، مقابل 34 مليار دولار فقط إلى الاتحاد الأوروبي.
ولا تزال اتفاقية التجارة الاقتصادية والتجارية الشاملة (CETA) بحاجة إلى تصديق 10 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إيطاليا، ولكن في مقابلة مع الشؤون الكندية، وصف سفير إيطاليا لدى كندا، أليساندرو كاتانيو، اتفاقية التجارة الاقتصادية والتجارية الشاملة (CETA) بأنها “قصة نجاح”.
وقال كاتانيو عن اتفاقية التجارة: “الأدوات اللازمة جاهزة.. لقد أدت إلى زيادة ملحوظة في التجارة”.
وأشار كاتانيو إلى أن الجاليات المقيمة في كندا، والتبادلات الأكاديمية النابضة بالحياة، ونظام تأشيرات التنقل للشباب في كندا، كلها عوامل تُسهم في تعزيز الشعور بالتقارب بين كندا والاتحاد الأوروبي.
وأضاف: “تحظى كندا بشعبية كبيرة كوجهة للطلاب والباحثين وطلاب ما بعد الدكتوراه الإيطاليين، وغيرهم”.
التنسيق الأمني
في مجال الدفاع، تربط كندا والاتحاد الأوروبي بالفعل علاقات قوية – وستزداد قوة قريبا.
فمنذ عام 2014، قادت القوات المسلحة الكندية عملية “الطمأنينة”، وهي مهمة مقرها لاتفيا تهدف إلى ردع العدوان الروسي في أوروبا الوسطى والشرقية، وكجزء من هذه المهمة، حشدت القوات المسلحة الكندية أصولا بحرية إلى جانب حلفاء الناتو في بحر البلطيق.
وبالمثل، منذ عام 2015، قادت كندا عملية “الموحد”، وهي عملية لتدريب القوات الأوكرانية، ونُفذت هذه العملية في البداية داخل أوكرانيا، لكنها انتقلت إلى بولندا عقب الغزو الروسي لها في فبراير 2022.
وصرّح فيتولد دزيلسكي، سفير بولندا لدى كندا، في مقابلة مع الشؤون الكندية، بأن تعاون كندا مع بولندا يرتكز على إرث طويل من التعاون يعود إلى الحرب العالمية الأولى، عندما ساعدت القوات الكندية في تدريب ما يقرب من 20 ألف جندي بولندي.
وفي 23 يونيو، أعلن كارني عن شراكة أمنية ودفاعية تُمكّن كندا من المشاركة في برنامج مشتريات مشترك جديد بقيمة 150 مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي، وستُمكّن هذه الشراكة الشركات الكندية من الاستثمار في مشاريع دفاعية أو توريدها أو الوصول إليها إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي.
ومن جانبه، يقول كاتانيو إن تعاون كندا الدفاعي مع أوروبا قائم على القيم، وأضاف: “نؤمن كلينا بدعم النظام الدولي القائم على سيادة القانون والحرية”.
ويتفق معظم الكنديين على أن التعاون الدفاعي يجب أن يكون جزءا أساسيا من العلاقة الكندية الأوروبية في المستقبل، ففي استطلاع رأي أجرته شركة نانوس للأبحاث عام 2024، قال 83% من المشاركين إنه من المهم جدا أن تعمل كندا مع أوروبا بشأن المخاوف الأمنية المشتركة.
ويشير هورلمان، من جامعة كارلتون، إلى أن كندا ليست بحاجة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لتوطيد علاقتها مع بروكسل.
وقال: “إن التركيز على العضوية يُركز في الواقع على مشروع طويل الأمد، فهو يُركز على تكامل أعمق مما قد يرغب فيه الكنديون حقا عندما ينظرون إلى تفاصيل معنى أن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي، ولكن هناك إمكانات كبيرة للتقرب من أوروبا دون السعي وراء خيار العضوية هذا”.