أخبار

مشكلة الغمز.. عادة رئيس وزراء كندا المحفوفة بالمخاطر على الساحة العالمية

يبدو أن رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، من مُعتادي الغمز، فهذه العادة ليست عابرة ولا محض مصادفة.

وبحسب ما أحصته صحيفة National Post، فإن كارني قام بما لا يقل عن أربع غمزات علنية منذ توليه المنصب، مرة أثناء أدائه اليمين، وفي البيت الأبيض، ومرتين خلال قمة مجموعة السبع في ألبرتا، فضلا عن العديد من الغمزات الأخرى التي تعود إلى فترة توليه منصب محافظ بنك إنجلترا.

لكن ما الذي تعنيه هذه الغمزات؟ وهل هي مقصودة أم أصبحت تصرفا تلقائيا؟ وإن لم تكن تعني شيئا محددا، فما الذي يدفعه للمخاطرة بإساءة الفهم أو إثارة الإحراج الدبلوماسي؟

الغمزة، رغم بساطتها، قد توحي بالثقة بالنفس، لكنها قد تبدو أيضا ماكرة أو خادعة، وقد تنسف ما قيل بالكلمات، بل تُفسّر أحيانا على أنها تعني: “أنا أكذب”، لكن في الوقت ذاته، يمكن أن تكون الغمزة إشارة إلى “لا تقلق، أنا متحكم في الأمور”.

من جانبه، قال ستيوارت بريست، المحاضر في العلوم السياسية بجامعة بريتش كولومبيا، إنه يرى أن غمزات كارني توحي براحة واضحة مع فكرة جذب الانتباه، لكنه حذّر من أن إساءة تفسيرها قد تؤدي إلى “انهيار” في الصورة العامة.

وفي قمة مجموعة السبع الأخيرة، على سبيل المثال، وعندما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجيب عن سؤال حول تأخر التوصل إلى اتفاق تجاري مع كندا، قال: “لدي مفهوم خاص بالرسوم الجمركية، ومارك لديه مفهوم آخر، يحبه البعض”.

عندها، التفت كارني بنظرة جانبية إلى ما خلف الكاميرا وغمز بعينه اليسرى، رافعا زاوية فمه بابتسامة طفيفة كادت تتحول إلى سخرية.

وفي موقف آخر خلال القمة ذاتها، وبينما كان ترامب يتحدث إلى وسائل الإعلام بحضور كارني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غمز كارني هذه المرة بعينه اليمنى نحو ماكرون، عندما أعلن ترامب عن “تقدم كبير” في الاتفاقات، بما فيها صفقة تجارية مع المملكة المتحدة، وكانت تلك الغمزة مشبعة بنبرة فكاهية محفوفة بالمخاطرة.

ولا يغمز كارني عند حديثه فقط، بل غالبا ما يغمز أثناء حديث الآخرين، وليس لهم، بل لجمهورهم.

ويرى بريست أن هذه الطريقة تحمل ثلاث طبقات من التواصل: أولا، يخاطب المتحدث (ترامب مثلا) في العلن، ثانيا، يوجه رسالة ضمنية إلى شخص ثالث (ماكرون)، وثالثا، يخاطب الجمهور الواسع خلف الكاميرا، مظهرا قدرته على اللعب بكل هذه الطبقات في آن واحد.

كما قال بريست: “إنها مشية على حبل مشدود، وإذا أخطأ التوازن، فقد يكون الثمن باهظا”.

وأضاف أن نجاح كارني في استخدام الغمزة مرهون بشعور الجمهور بأنه مشمول فيها، وليس مُستبعدا.

وتابع: “الرسالة الضمنية لا بد أن تشمل الجمهور، وأن توصل إليهم فكرة أنه يسيطر على الموقف بثقة، أما إذا لم يصدقوه، فستتحول الغمزة إلى مُجرد حركات متكبرة”.

ويبدو أن هذه الازدواجية في معنى الغمزات ليست حكرا على السياسة، فقد واجهت المحاكم الجنائية الكندية نفس الإشكالية في تفسير غمزة ضمن قضية قتل تعود لعام 2017، حين قال أحد الشهود إن الضحية أخبره أنه “سقط من على دراجته”.

ثم غمز وقال: “لكني تعرضت للضرب من كيني”، في إشارة إلى المتهم، واعتبر القاضي أن الغمزة لم تكن مرتبطة بشكل واضح بالعبارة، وبالتالي لم يُسمح بعرضها على هيئة المحلفين، التي أدانت المتهم لاحقا بالقتل غير العمد.

لكن في قضايا أخرى، سُمح للنيابة باستخدام الغمزة كدليل، كما في قضية في مونتريال عام 2017، حين وصف أحد ضباط الشرطة السريين كيف تلقى “دورة مكثفة” في سرقة متاجر المجوهرات من أحد المشتبه بهم، وسأله إن كان سبق أن ارتكب تلك الجريمة بالفعل، فأجاب المشتبه به ضاحكا مع غمزة: “لا”، وهو ما فُسّر كاعتراف ضمني بالجريمة.

فالغمزة، كما يتبين، قد تعني عكس ما قيل تماما.

وهذا الأسلوب، كما يوضح بريست، ينجح فقط طالما كان الجمهور يثق بالقائد.

وحاليا، يبدو أن كارني لا يزال في مرحلة “شهر العسل السياسي”، حيث يتزامن سلوكه مع ارتفاع معدلات شعبيته، لكن الأمور قد تتغير، خاصة إذا بدأت هذه الغمزات تُفسر على أنها مراوغة أو خفة لا تليق برجل دولة.

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!