كندا أمام مفترق طرق.. إلى أين يتجه نظام الهجرة؟

أدّى التباطؤ الاقتصادي الناتج عن الرسوم الجمركية إلى إعادة إشعال الجدل حول الهجرة في كندا، إذ اتّهم بعض السياسيين الشركات بتوظيف عمال أجانب منخفضي الأجور بدلا من الشباب المحليين.
دعا كل من زعيم حزب المحافظين الفيدرالي بيير بوالييفر وحاكم مقاطعة بريتيش كولومبيا ديفيد إيبي مؤخرا إلى إلغاء أو تقييد برنامج العمال الأجانب المؤقتين بشكل كبير، وسط تصاعد القلق من عدد تصاريح العمل الصادرة في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.
وأجمع العديد من الاقتصاديين على ضرورة تقليص البرنامج، خصوصا مساره الخاص بالوظائف منخفضة الأجور.
ولكن بعد تقلبات سريعة في سياسات الهجرة خلال السنوات الأخيرة، حذّر محللون من إجراء تغييرات مفاجئة جديدة، ودعوا بدلا من ذلك إلى إصلاح شامل لنظام الهجرة الكندي يركّز على الازدهار الاقتصادي طويل الأمد.
وقالت بريسا محبوبی، كبيرة المحللين في معهد سي دي هاو: “علينا أن ننظر إلى البيانات، ونتعلّم من الماضي، ونستخدم ذلك بدلا من الاستجابة السريعة للجدل”.
وأضافت: “لا شك أننا بحاجة لتقليل الاعتماد على العمال الأجانب المؤقتين، ويجب أن نبدأ بتقليص الوظائف منخفضة المهارة ضمن البرنامج، لكن إذا أردنا إيقافه تماما، علينا أن نضع سياسات تهيّئ أصحاب العمل لذلك”.
قيود جديدة على الهجرة.. وتراجع في النمو السكاني
واجهت حكومة رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو انتقادات حادة بسبب النمو السكاني القوي، ما دفعها إلى إدخال تغييرات على سياسات الهجرة بهدف الحد من تدفق الوافدين.
وشملت هذه التغييرات فرض سقف مؤقت خفّض تصاريح الدراسة للطلاب الدوليين بأكثر من 40%، وتحديد هدف بنسبة 5% لعدد المقيمين غير الدائمين مقارنة بعدد السكان، كما خفّضت الحكومة الفيدرالية هدفها لعدد الإقامات الدائمة من 500 ألف إلى أقل من 400 ألف.
وساهمت هذه القيود في وقف النمو السكاني، وهو ما رحّب به كثيرون. (فقد بقي عدد السكان في كندا ثابتا خلال النصف الأول من عام 2025، بعد أن بلغ معدل النمو السنوي 3% في عام 2023).
وتعهّد رئيس الوزراء الحالي مارك كارني بالحفاظ على القيود التي فرضها سلفه، لكن من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة تخطط لتعديلات إضافية، ومن المتوقع أن تكشف الحكومة عن نواياها في خطة مستويات الهجرة المقبلة، المقرر طرحها قبل الأول من نوفمبر.
الجدل لا يزال يركّز على الأعداد.. لا على نوعية الوافدين
قالت محبوبی إن النقاش حول الهجرة ركّز بشكل مفرط على عدد الوافدين، بدلا من نوعيتهم.
إذ لم تكن الزيادة الأخيرة في أعداد المهاجرين مجرد مشكلة رقمية، فقد سمحت كندا بدخول مئات الآلاف من الطلاب الدوليين سنويا، معظمهم التحق بكليات اتّهمتها الحكومة الفيدرالية باستخدام الطلاب كـ “أبقار نقدية”.
كما وافقت الحكومة على عشرات الآلاف من تصاريح العمل للعمال منخفضي الأجور لسدّ النقص في اليد العاملة، ما أثار مخاوف من أن الشركات تستخدم البرنامج لتجنّب دفع أجور أعلى للعمال المحليين.
- مشروع قانون كندي يمنح الجنسية لأكثر من 100 ألف شخص يُثير جدلا واسعا.. ووزيرة الهجرة تتهرب من الأسئلة
دعوات لإصلاح دائم.. لا مجرد تخفيضات مؤقتة
قال ميكال سكوتيرود، أستاذ الاقتصاد في جامعة واترلو والمتخصص في سياسات الهجرة، إنه رغم ضرورة تقليص عدد المقيمين غير الدائمين، فإن فرض سقوف عددية ليس هو الحل.
ودعا بدلا من ذلك إلى إصلاح نظام الإقامة الدائمة في كندا ليصبح أكثر صرامة وشفافية وقابلية للتنبؤ، ما من شأنه أن يقلّل عدد المقيمين المؤقتين ويحسّن عملية اختيار المهاجرين.
وأوضح أن ذلك سيحدّ من عدد الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى كندا بأي وسيلة، بما في ذلك دفع عشرات آلاف الدولارات للحصول على شهادة من مؤسسة تعليمية مشبوهة، فقط للحصول على فرصة بالإقامة الدائمة.
وأضاف: “أنا مقتنع بأن النمو الهائل الذي شهدناه خلال السنوات العشر الماضية كان نتيجة التحوّل نحو الهجرة على مرحلتين، حيث يؤمن النس أن هذه هي الطريق نحو الإقامة الدائمة”.
تغييرات في آليات اختيار المقيمين الدائمين.. وانتقادات اقتصادية
شهدت طريقة اختيار المقيمين الدائمين في كندا تغييرات كبيرة خلال العقد الماضي، فقد زادت الحكومة الفيدرالية عدد الأماكن المخصصة لبرنامج الترشيح الإقليمي، الذي يمنح المقاطعات صلاحية اختيار المهاجرين وفقا لمعاييرها الخاصة، وارتفعت نسبة المرشحين الإقليميين من 1% عام 2000 إلى 35% من المهاجرين الاقتصاديين عام 2019.
لكن الحكومة الفيدرالية خفّضت هذه الحصة إلى النصف عام 2024 ضمن خطة مستويات الهجرة الجديدة.
وفي عام 2023، أدخلت الحكومة أيضا نظام الاختيار حسب الفئة ضمن برنامج الدخول السريع، ما يمنح الأولوية للمتقدمين من خلفيات مهنية محددة، ويُفضّل المتحدثين بالفرنسية في إطار سعي الحكومة لزيادة عدد الناطقين بالفرنسية خارج كيبيك.
وانتقد العديد من الاقتصاديين هذه التغييرات، معتبرين أن التركيز على سدّ النقص في اليد العاملة يأتي على حساب اختيار المرشحين الأعلى مهارة.
وقال كريستوفر وورزويك، أستاذ الاقتصاد في جامعة كارلتون: “علينا تحديث طريقة اختيار المهاجرين، ويجب أن يكون المعيار هو القدرة على تحقيق دخل في كندا”.
وحذّر من أن اختيار المهاجرين بناء على سدّ النقص في الوظائف بدلا من إمكاناتهم الاقتصادية سيؤدي إلى انخفاض الإيرادات الضريبية.
وأضاف: “هذا سيؤثر سلبا على قاعدة الضرائب، ما يعني أن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى خدمات صحية ومعاشات تقاعدية سيبقى كما هو، لكن الإيرادات الضريبية لتمويل هذه الخدمات ستنخفض”.
دعوة لتوحيد مسارات الإقامة.. والابتعاد عن التسييس
اقترح سكوتيرود أن الحل الرئيسي لمشاكل الهجرة في كندا هو توحيد المسارات الاقتصادية نحو الإقامة الدائمة، بحيث يكون الطريق الوحيد هو نظام التصنيف الشامل، وهو نظام يعتمد على النقاط لتقييم وترتيب المتقدمين.
وقال: “ما نحتاجه هو نظام قائم على القواعد.. وليس نظاما قائما على التقدير الشخصي يتأثر بالسياسة والضغوط من جماعات الضغط”.