بصفتي لاجئة سورية سابقًا.. فأنا محظوظة بالعيش في كندا.. وهذا سبب شعوري بالذنب أحيانا
جاء دوري في نقطة فحص الجوازات وأسلم جواز سفري الكندي لموظف الهجرة، ويسألني عن أصلي.
“ماذا تقصد؟ أنا كندية”.
لكنه يضغط أكثر، مشيرا إلى أن اسم عائلتي هو نصري، ويسأل عن أصل والدي، وأقول بقلق “سوري”.
أشعر بالقلق من أنه قد يربطني كواحد من 1.5 مليون لاجئ سوري فروا إلى لبنان هربا من الحرب الأهلية وأصبحوا الآن غير مرغوب فيهم في هذا البلد، ولكن يبدو أنه راض ويختم جواز سفري الكندي.
أحمل بيروت في قلبي طوال الوقت، ويمكنني كتابة الشعر عن هذه المدينة النابضة بالحياة.
فمنذ ما يقرب من عقد من الزمان، كانت عائلتي واحدة من هؤلاء اللاجئين، وكان عمري 13 عاما عندما عبرنا الحدود لأول مرة إلى لبنان، وفي ذلك الوقت، لم يكن دخول البلاد صعبا مثل الحصول على إقامة دائمة.
وكانت سياسة الدولة الرسمية حينها هي استضافة اللاجئين حتى انتهاء الحرب في سوريا، وفي الواقع، لم تفعل الحكومة اللبنانية الكثير لتخفيف صعوبة حياة اللاجئين.
وبصفتي لاجئة سورية، لم تكن حياتي في بيروت مستقرة أبدا، فقد كان الحصول على الإقامة الدائمة مكلفا وغير مضمون للاجئين، ولم يكن لدى والدي تصريح عمل، وكانت المدارس مكلفة ويصعب الالتحاق بها، ولحسن الحظ، كان والداي قادرين بطريقة ما على دفع الرسوم الدراسية وواصلت تعليمي.
وعلى الرغم من هذه التحديات، غالبا ما جعلني أصدقائي في سوريا أشعر بأن لبنان كان جنة، فبعد كل شيء، لم أعد أعيش في حرب وأتعرض للهجمات والانفجارات.
وقد كانت السنتان اللتان قضيناهما في لبنان قاسية على عائلتي، لذلك عندما عززت كندا برنامجها للترحيب باللاجئين السوريين، أصبحت أنا وعائلتي من بين 25 ألف لاجئ سوري وصلوا بين عامي 2015 و2016.
وتذكرت اليوم الذي هبطنا فيه في تورنتو: ليلة رأس السنة الباردة في عام 2015، وكنت على استعداد لبدء حياة جديدة، وكانت الحياة هنا مزيجا من الحرية والبساطة ولكن أيضا التحديات، وأدركت أن والداي يحتاجان إلي لأكون قوية، وأردت أن يعرفوا أنه يمكنهم الاعتماد علي، لذا تخرجت من المدرسة الثانوية بأعلى الدرجات وسجّلتُ في برنامج الصحافة في جامعة تورنتو متروبوليتان، وحصلت على منح دراسية متعددة لإنجازاتي الأكاديمية.
لقد مرت ست سنوات منذ عودتي إلى لبنان، وهذه المرة، كنت أحمل جواز سفر كنديا وكنت أعمل صحفية مستقلة، وقد أحدث هذا فرقا كبيرا: يبدو أن جواز سفري الجديد منحني قدرا من الحماية على الرغم من أنني ما زلت نفس الشخص الذي يدخل لبنان من أصل سوري.
كنت في بيروت للتدريب مع منظمة غير ربحية لإنشاء محتوى لنشراتهم الإخبارية ودعم مبادرة التواصل الخاصة بهم، لذا قابلت عائلات سورية لاجئة في لبنان تعيش في نفس حي اللاجئين منذ 11 عاما.
وشعرت بعلاقة عميقة مع هؤلاء اللاجئين – فهم يعرفون من لهجتي أنني سورية مثلهم ونتشارك الابتسامة، وهي بالنسبة لي اعتراف بالألم المشترك الذي يتقاسمه السوريون.
ورحت أحاول إسكات أفكاري التي تقارن حياتي في كندا بحياة السوريين في لبنان اليوم، وقلت لنفسي، هؤلاء الناس يحلمون بالسفر، وها أنا أعيش هذا الحلم، فكلانا سوري، ومع ذلك، لدي مكان أعود إليه وهم ليسوا كذلك، وأردت أن أَعِد هؤلاء اللاجئين بغد أفضل، لكني لم أستطع.
وأشعر وكأنني أحمل هذا الشعور بالذنب لفترة من الوقت – الشعور بالذنب لأنني تركت أصدقائي ورائي في سوريا التي مزقتها الحرب من أجل فرصة حياة أفضل في لبنان، ثم أشعر بالذنب بسبب الهروب من بيروت من أجل حياة أفضل في كندا.
وربما، هذا صحيح، إنه امتياز أن أعيش حيث أعيش، فقد أعطتني كندا مساحة لقبول كل هوياتي – سورية وكندية وصحافية ولاجئة – وهذا الشعور بالذنب الذي أشعر به يتحول ببطء إلى الامتنان للانتماء إلى كندا.